يقول جون بولتن (مستشار الأمن القومي الأميركي السابق) في مذكراته، التي يكره البيت الابيض أن يطلع عليها أحد: إن قرار عبدالمهدي بعدم الحضور الى قاعدة عين الأسد، واستقبال الرئيس ترامب في عيد الميلاد، نهاية ٢٠١٨ كان خطأ كبيرا (Big mistake). ويبدو انه قد استمع الى نصيحة مستشاريه بعدم الذهاب، بالقول انه ليس من المناسب الذهاب الى هناك والاجتماع داخل الخيمة التي وصلت صورتها اليه من الجانب الأمريكي.
ثم يذكر ان عبدالمهدي اكتفى بإجراء اتصال ودي مع الرئيس ترامب، وكانت النقطة الإيجابية، ان الرئيس ترامب قد دعا عبدالمهدي لزيارة البيت الأبيض.
السطور في أعلاه، نقلت من كتاب جون بولتن، مستشار الأمن القومي السابق (The Room where It Happened – A White house memoir) الذي كان يرافق الرئيس دونالد ترامب الى العراق وانتظارهم لرئيس الوزراء العراقي في قاعدة عين الاسد، لتحقيق أول اجتماع بين الرئيسين، بعد شهرين من التصويت على الحكومة العراقية الجديدة ومنحها الثقة من قبل مجلس النواب العراقي. ويوضح رأيه في الطريقة التي تم التعامل بها مع الرئيس الأمريكي في قاعدة عين الأسد ليلة 26 ديسمبر 2018, ولا نعرف إن كان سبب وصفه القرار بـ(الخطأ الكبير)، يعود لمعرفته بالرئيس ترامب الذي وصفه بأبشع ما يمكن من اوصاف تطلق على رئيس أمريكي، أو ان قراراً مثل هذا قد يفسد الود والعلاقات بين البلدين، نظرا لـتأثير المواقف الشخصية على الرئيس الأمريكي، كما يوضحها الكاتب في نفس الكتاب.
هذا الأمر يحيلنا الى السؤال المهم وبعد أشهر من مغادرة عبدالمهدي السلطة، على اثر تقديم استقالته في 29 تشرين الاول 2019، هل كان محقا في قراره تجاه رئيس يمتلك صفات هي اقرب الى المشاكسة من كونه رئيسا لأقوى دولة على وجه الأرض، كما يصفه مساعدوه؟ وهل يمكن ان نستنتج الى ان عبدالمهدي قد ناقش بهدوء اتخاذ قرار حازم وسريع يحفظ كرامته وكرامة بلده وتعامل كرئيس لبلد ذي سيادة؟ هل كان هذا التصرف، قد شكل لاحقا، اهم اسباب استهداف عبدالمهدي واتخاذ قرار امريكي بإسقاط حكومته، بعد ان تم تصنيف قراره كما يبدو على انه تمرد من رئيس دولة من العالم الثالث على رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم. الأمر الذي يذكرنا بما حدث للرئيس التشيلي السلفادور الليندي، الذي أطيح بحكمه بانقلاب، خططت له ونفذته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بقيادة الجنرال (أوجستينو بينوشيه) كما أكدت الوثائق التي كشفت عنها وكالة الأمن القومي الأمريكية بعد مضي 25 عاماً عليها، طبقاً للقانون الأمريكي.
تلك الوثائق أماطت اللثام عن ضلوع المخابرات المركزية الأمريكية في التخطيط لهذا الانقلاب، وتمويله، والذي راح ضحيته في الأيام الأولى من الانقلاب عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والسجناء والمفصولين عن أعمالهم. فهل سيقرأ العالم سنة 2045, وثائق شبيهة بوثائق شيلي، تتحدث عن احداث العراق عام 2019- 2020؟
لو تصفحنا الصفحات 184 الى الصفحة 187 من الكتاب، يمكن ان نستنتج بسهولة ان فريق الرئيس ترامب، كان يعد لمفاوضات بين الرئيسين ترامب وعبدالمهدي في ذلك اللقاء، الذي لم يحصل. وقد تم اعداد مسودة البيان, بل انهم توقعوا مجيئه بعد سماعهم صوت طائرة قادمة من بغداد, لكن المفاجأة انه لم يأت. وان تباينا في وجهات النظر لتنظيم اللقاء، أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية، تناولت تطورات الأوضاع. وهو ما أوضحه رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، في مؤتمر صحافي من ان “الجانب الأمريكي، أخبرنا في صباح اليوم نفسه أن هناك رغبة من الرئيس ترامب بزيارة العراق، رحبنا بالزيارة لكن قلنا بشرطين الشرط؛ الأول: أن يأتي إلى أرض عراقية ويستقبل كأي رئيس لدولة صديقة. والثاني: أن يحدد جدول الأعمال بمواضيع محددة لأن وقت الزيارة قصير، ولا يسمح بمعالجة الكثير من الأمور. وقلنا العلاقات الثنائية والانسحاب الأمريكي من سوريا، ووافق الطرف الأمريكي”. وزاد “وفي عصر اليوم ذاته، أبلغونا في اتصال بأن الرئيس الأمريكي لن يغادر منطقة تواجد العسكريين الأمريكان، فقلنا إن هذا غير ممكن أن ينتقل رئيس الوزراء والوفد المرافق له إلى المعسكر، وإنما العكس هو الصحيح”، ثم أردف قائلا “لكنهم ذكروا أن هذه الإجراءات أعدّت في واشنطن، ولن يتم تغييرها، فقلنا إنه إذن لن يتم اللقاء الثنائي، وسنستبدله بمكالمة هاتفية، وهو ما جرى”. ثم واصل عبد المهدي حديثه “ما جرى هو موضوع أصولي يعبر عن السيادة العراقية، وموقف يحترم علاقات الصداقة ويطورها”.
ورغم ان العديد من الكتب قد صدرت وهي تتحدث عن الرئيس دونالد ترامب لكن الكتاب الأخير الذي كتبه مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، الذي يحمل عنوان (الغرفة التي شهدت الأحداث)، قد أثار قبل طبعه ونشره، اهتماما لدى الرأي العام أكثر من غيره، نظرا لمنزلة الكاتب وطبيعة المعلومات التي أوردها، وتوقيت نشر الكتاب قبل أشهر قليلة من موعد إجراء الانتخابات الأمريكية، ووصف الكاتب لترامب بالجاهل، بأبسط الحقائق الجغرافية. ولا تتعدى قراراته رغبته في التمسك بمنصبه لفترة ولاية ثانية. بل تعدى وصفه للرئيس الأمريكي بأنه: (يفتقر إلى الكفاءة)، وأنه (غبي وممل)، فضلا عن ان الكتاب ذكر قضايا خطيرة، مثل لقاء جمع الرئيس ترامب ونظيره الصيني (شي جين بينغ ) على هامش قمة العشرين التي عقدت في اليابان في العام الماضي؛ حيث يذكر ان ترامب طلب حينها مساعدة الرئيس الصيني في حملته الانتخابية، لضمان ولاية ثانية له. لذلك يحاول البيت الأبيض حظر نشر الكتاب، ولكن وسائل الإعلام الأمريكية حصلت على نسخ منه، وبدأت نشره وتوزيعه الكترونياً.
دعونا نركز على بعض المفارقات المهمة مثل ان: عبدالمهدي يشترط على الرئيس ترامب طبيعة البروتوكول، وجدول اعمال الزيارة, ثم يرفض اللقاء بالصيغة الأمريكية، بينما يصف بولتن اجتماعات الرئيس داخل البيت الأبيض بأنها (معارك صبيانية)، وتضيع فيها جهود حقيقية لصياغة السياسات، ويستشهد برئيس موظفي البيت الأبيض (جون كيلي) الذي حذره عندما بدأ عمله في مقر الرئاسة الأمريكية بأن قال له “هذا مكان سيئ للعمل، كما ستكتشف بنفسك”, كذلك يشير الى رسالة خاصة لوزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يعد من الموالين للرئيس، يصف فيها ترامب بأنه (ينضح بالقذارة).
أليست هذه المفارقات اضافة لأسباب جوهرية أخرى، تتعلق بالصراع الأمريكي مع ايران، هي كافية بأن تتأكد الإدارة الأمريكية الحالية، بانها تتعامل مع رئيس وزراء مختلف، يتعامل بحساسية عالية في موضوع السيادة والكرامة. بينما لم تتعود إدارة واشنطن هذا السلوك، الذي قد يشكل استفزازا للرئيس ولإدارته (الصبيانية). وان هذا السلوك اضافة لرفض عبد المهدي العقوبات على ايران ودعمه للحشد الشعبي وزيارته للصين وتوقيعه الاتفاقات معها، ومطالبته سحب القوات الامريكية بعد قصفها القائم، واستشهاد اعداد كبيرة من العراقيين، ثم اغتيالها الشهيدين المهندس وسليماني وإخوانهما، قد قادت بالولايات المتحدة لان تعمل ضده لإسقاطه.
لهذا نقول هل خسر عبد المهدي الرئاسة ليربح التاريخ؟
نحن معكم على مدار الوقت
وداعاً ايها الشهم الشجاع.
مواقع عبرية : الطيران الصهيوني سيقوم بقصف عدد من مقرات المقاومة الاسلامية في العراق خلال الساعات القادمة
هل يجرؤ الاحتلال على اغتيال المرجع السيستاني؟