هجم “الشباب الهتلري” على قاعات السينما، ألقى القنابل المسيلة للدموع على المتفرجين، وأطلق الفئران البيضاء بين المقاعد، وسط هتافات “يا ألمانيا استيقظي”، ردا على الفيلم المقتبس من الرواية التي لم تعجب الفوهرر. “الشباب الهتلري”: ألا يذكركم هذا النموذج بنماذج أخرى معروفة جدا في العديد من الدول العربية الآن، تتبع نفس الأسلوب وإن اختلفت مسمياتها من بلد لآخر.كتاب الأسبوع هو رواية “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” للكاتب الألماني إريك ماريا ريمارك، عدد صفحاتها 295 صفحة، وصدرت لأول مرة عام 1929، وما زالت تحقق نجاحا منقطع النظير إلى يومنا هذا، بعدما بيعت منها أزيد من 50 مليون نسخة. لنقدم هذا الكتاب بطريقة أخرى، تتناول سيرة ريمارك، ما دام الخيط الفاصل بين الرواية وسيرة الأديب الألماني واهيا للغاية. نشأ ريمارك فقيرا، دخل إلى المدرسة الكاثوليكية التي ستمكنه من الحصول على وظيفة كمدرس، درس مهنة التعليم لعام ونصف، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى… تم إرساله إلى الجبهة الغربية، حيث جرح مرتين، وعاد بعد نهاية الحرب وفكرة واحدة تسكنه: الكتابة عن الأهوال التي عايشها…بدأ في إرسال كتاباته للمجلات والصحف، لكنها لم تنل التقدير المرجو، وفي هذه الظروف كتب روايته “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” والتي تتناول سيرة عدد من الجنود الألمان الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين، وكيف عايشوا أهوال الحرب وحياة الخنادق، انطلاقا بطبيعة الحال من تجربة ريمارك نفسه، فرغم أنها رواية بضمير المتكلم وباسم بطل مغاير، إلا أننا ندرك بسهولة أنها أشبه بالمذكرات الشخصية لإريك نفسه.
كتب ريمارك روايته في وقت كانت فيه القوى الشوفينية تستعيد إمساكها بزمام الأمور في ألمانيا، وتملأ أعماقها رغبة عارمة في إشعال الحرب مرة أخرى للثأر من الهزيمة المذلة في الحرب العالمية الأولى، وكان نشر رواية تصف أهوال الحرب ومعاناة الجنود مرفوضا عند هذه الشريحة من الألمان.
أرسل ريمارك مسودة روايته إلى دور النشر الألمانية الكبرى، فتم رفضها بسبب محتواها غير المقبول للأسباب السالفة الذكر، وشعر ريمارك بأن روايته لن ترى النور أبدا، قبل أن يغامر بإرسالها إلى دار “أولشتاين” أكبر دار نشر في ألمانيا! وصلت النصوص بالصدفة إلى مدير الرقابة في الدار “فريتز روس”، الذي وجد الوقت الكافي لمطالعتها بسبب مرضه، فأثارت إعجابه إلى حد بعيد وعرضها على مسؤولي الدار، قائلا بأنه سيطبع منها 100 ألف نسخة، مع استعداد لتحمل الخسارة إن هي فشلت، من شدة يقينه بنجاحها.
وكذلك كان.. حققت الرواية نجاحا ساحقا، وصارت حديث الشارع الألماني، فكان من الطبيعي ألا يعجب هذا القوى اليمينية في البلاد، التي شنت حملة تشهيرية واسعة ضد ريمارك، وصلت حد التشكيك في مشاركته كجندي في الحرب، لكن “كالعادة” كان للأمر مفعول عكسي جعل الرواية تشتهر أكثر ليتم تحويلها إلى فيلم سينمائي من إنتاج أمريكي سنة 1930، فاز بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم، فيما حقق ريمارك شهرة واسعة خلصته إلى حد كبير من حياة اللااستقرار التي كان يعيشها.”كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” رواية مميزة للغاية، وأنصح بمطالعتها، وقد تكون إلى جانب “الثلج الحار” للسوفييتي يوري بونداريف و “وداعا للسلاح” للأمريكي إرنست همنغواي من أجمل ما كتب في أدب الحرب في القرن العشرين، وكما هو واضح، فإن هؤلاء الثلاثة يشتركون في جزئية معايشتهم لأهوال الحرب بأنفسهم، ما ساهم إلى حد بعيد في التأثير على المواضيع التي تناولوها في أعمالهم، سواء من خلال عملهم كمراسلين حربيين، أو جنود فرضت عليهم الظروف مواجهة الموت في كل لحظة!
عبد المجيد سباطة
نحن معكم على مدار الوقت
زيارة وارث مكتوبة.. زيارة أبي عبدالله الحسين (ع)
خطبة النبي الأكرم (ص) في يوم الغدير كاملة مكتوبة
في اليوم العالمي للحمير.. العالم يحتفل بالحيوان الأكثر خدمة للبشر