كتاب عنف الديكتاتورية، للكاتب النمساوي الكبير ستيفان زفايغ، الذي يقدم لنا نموذجاً غربياً للديكتاتور لا يختلف عن أي ديكتاتور في العالم، «فبعض الناس لا يراعون حقوق الآخرين ويحاولون مجابهة آرائهم بالعنف لكن حين يتعلق الأمر بهم تجدهم الأكثر حساسية تجاه أي اعتراض»، وهذا الحديث نجده في حياتنا اليومية، في الرياضة أو القضايا الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الدينية…إلخ، وهذا ما حاول زفايج عرضه من خلال هذا الكتاب.
ستيفان زفايغ روائي صاحب أسلوب ممتع في السرد. وهذا الكتاب لا علاقة له بالرواية. وعنوان الكتاب الأصلي «كاستيليو ضد كالفن… أو ضمير ضد العنف»، كتاب يكثف الأضواء على مرحلة تاريخية وتحديداً الحقبة التي شهدت صعود المصلح كالفن، أحد أعمدة المذهب البروتستانتي. الذي تحول مستبدا قاسيا ووحشياً، صاحب المذهب التصحيحي المشهور (الكالفينية)، الذي حول مدينة جنيف إلى مدينة ذات لون واحد، فقد عذب كل المعارضين بل وأحرق بعضهم، عارضه أحد الأحرار في أرائه الدينية، انتهى الحال بالمعارض أن قُتل حرقا بطريقة بشعة.
يتحدث رفايغ عن قصة حقيقية حصلت خلال القرن السادس عشر تقريباً، صاغها بأسلوب أقرب إلى السرد الروائي، للمصلح «كالفن» الذي جاء إلى جنيف قادماً من فرنسا هرباً من محاكم التفتيش الكاثوليكية، وبدأ حياته المهنية قسيساً في كاتدرائية سان بيار في جنيف، وما لبث خلال فترة زمنية قصيرة أن أمسك بزمام الأمور، وأضحى الحاكم الأوحد لمدينة جنيف، محولاً المجتمع الديموقراطي إلى ديكتاتورية لا رأي فيها سوى رأيه، وكل الأصوات أصداء لصوته، والويل لمن يعترض، وكان «كاستيليو» في البداية من أنصار «كالفن»، لكنه لم يتحمل الطغيان وقمع الحريات، إذ تحول دعاة الإصلاح إلى جلادين يتعاملون مع المعترضين بالعنف، ويذيقونهم أشد أنواع العذاب، من السجن إلى الحرمان من الحقوق المدنية، بلوغاً إلى الإعدام، ويرى زفايغ، أن الأمة تتحمل مسؤولية كبرى في صناعة الديكتاتور في ظروف معينة، لكن حتى لو بقي رجل واحد، أو ضمير حي واحد، في هذه الأمة، فإن الديكتاتور لا يمكن أن تغمض له عين، وهذا ما حصل لكاستيليو، الذي عذب ونفي على يد «كالفن»، كما حصل لزفايغ نفسه على يد هتلر، وما يزال يحصل لكل من يقول «لا»، حتى لو كان وحده.
يقول زفايغ في مقدمة الكتاب «البرغشة ضد الفيل» هذه العبارة التي دونها كاستيليو بخط يده في نسخة طبعة بازل من كتاب نضاله ضد كالفن، تبدو في البدء غريبة، بل وتجعلنا أقرب إلى الاعتقاد بأنها من المبالغات التي اعتاد عليها العلماء. لكن كلمات كاستيليو لم تحمل في مضمونها مبالغة أو تهكما، إذ أن ذلك الرجل الشجاع أراد بمقارنة قاطعة أن يوضح لصديقه أمر باخ كيف كان الأمر بالنسبة إليه في غاية الوضوح والمأسوية، وأي خصم هائل قد تحدى عندما اتهم كالفن علانية أنه بمكابرة متعصبة قتل إنسانا، وبالتالي اغتال حرية الضمير في حركة الإصلاح، وهو كان يدرك تماما منذ الساعات الأولى حين استلّ ريشته كرمح وخاض بها النزاع الخطير، كيف يغدو أعزل أي قتال عقلاني صرف ضد سلطة الدكتاتور العنيفة والمدججة بالسلاح، وبالتالي يضعف الأمل في سقوط الطاغية، إذ كيف يمكن لرجل بلا سلاح وبمفرده أن يقاتل كالفن ويهزمه، فيما وراءه يقف الآلاف، بل عشرات الآلاف، مضافاً إليهم الآلة العسكرية المكوّنة لعنف الدولة».
نحن معكم على مدار الوقت
زيارة وارث مكتوبة.. زيارة أبي عبدالله الحسين (ع)
خطبة النبي الأكرم (ص) في يوم الغدير كاملة مكتوبة
في اليوم العالمي للحمير.. العالم يحتفل بالحيوان الأكثر خدمة للبشر