سبتمبر 19, 2024

رساله الحريه والكرامه والعداله في زمن العبوديه

السنغال.. محبوبة الاستعمار وعاشقة الصوفية الراقصة بين النهر والبحر

يونس مسكين

“يا نسيج قلبي الأخضر
يا أعز من إخوة، كتفا لكتف
أيها السنغاليون، انهضوا
انضموا للبحر وللينابيع
انضموا للسهول وللغابات
هللوا لأمّنا أفريقيا
هللوا لأمّنا أفريقيا…”

بهذه الأبيات الشعرية الحماسية، ستنطلق ثلاث من مباريات كأس العالم “قطر 2022″، وسترددها إلى جانب جماهير الملعب حناجر الملايين من السنغاليين.

إنها المرة الثالثة التي يشارك فيها أسود التيرانغا (اسم محلي يطلق على بلاد السنغال) في نهائيات كأس العالم، المرة الأولى كانت في دورة اليابان وكوريا الشمالية، عام 2002، وشكلوا خلالها مفاجأة مدوية حين بلغوا دور الربع، والثانية كانت في 2018 ولم يبرحوا فيها مرحلة المجموعات، فقد أقصي منتخب السنغال من الدور الأول.

وبما تشهده من حضور جماهيري غفير من جميع أنحاء العالم، وعزف للأناشيد الوطنية ورفع للأعلام، تصبح نهائيات كأس العالم أكثر من مجرد مسابقة رياضية. فهي محفل دولي تهفو إليه النفوس وتسعى إليه الأمم لتحضر فيه بأكثر من مجرد فريق ومدرب وأطقم فنية، بل تحضر الدول بتاريخها وأحلامها وثقافاتها وكل ما يدل على أمجادها.

والسنغال هي خامسة خمس دول أفريقية تأهلت إلى دورة قطر 2022، فإلى جانب المنتخبين المغربي والتونسي اللذين يعرفهما الجمهور العربي، تشارك ثلاث من دول أفريقيا جنوب الصحراء، هي الكاميرون وغانا والسنغال.

وتحل السنغال في الديار القطرية محمولة بنشوة الفوز بأول كأس أفريقية للأمم، ومعولة على مهارة واحد من أشهر وأهم لاعبي كرة القدم حاليا، وهو المهاجم بفريق ليفربول الإنجليزي “ساديو ماني”.

“شعب واحد، هدف واحد، عقيدة واحدة”.. شعار الجمهورية

“جمهورية السنغال علمانية ديمقراطية واجتماعية، تضمن تساوي جميع المواطنين أمام القانون، دون تمييز بسبب الأصل أو العرق أو الجنس أو الدين. وتحترم جميع المعتقدات”.

هكذا تقدم المادة الأولى من الدستور السنغالي هذا البلد الأفريقي، مضيفة أن اللغة الرسمية للبلاد هي الفرنسية، وأن شعار الجمهورية هو “شعب واحد، هدف واحد، عقيدة واحدة”، ومبدؤها هو “حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب”.

باستثناء الوثائق الدستورية الأولى التي عرفها السنغال في فترة انتقاله من الاستعمار الفرنسي إلى الاستقلال (بين 1959 و1962)؛ يعتبر الدستور الحالي ثاني وثيقة دستورية في تاريخ الدولة المستقلة، فقد صدر عام 2001 (مع تعديلات صدر آخرها عام 2016) معوضا دستور 1963 الذي صاغه الزعيم التاريخي “ليوبولد سانغور”، مثلما تولى بنفسه صياغة النشيد الوطني للسنغال.

جاءت فصول أول دستور للسنغال بعد الاستقلال مستوحاة في الغالب من نظام الحكم الفرنسي في عهد الجنرال “ديغول”، حيث يكون تركيز السلطات التنفيذية المهمة بين يدي الرئيس. وبقيت البلاد تحت سلطة أحادية إلى نهاية السبعينيات، حين بدأ الترخيص بتأسيس أحزاب معارضة.[2]

شهد تاريخ وحاضر هذا البلد الأفريقي كثيرا من مناطق الظل والبياض، ككل البلدان التي طالتها يد الاستعمار مبكرا، إذ وقع تقزيم أدوار الشعوب المحلية وجعل وصول الرجل الأبيض بداية للتأريخ. كما اضطرت البلاد بفعل ما تعرضت له من استنزاف ديمغرافي واستلاب حضاري طيلة قرون، لارتداء جلباب مستعمرها السابق متخذة من الفرنسية لغة رسمية.

مملكة غانا.. آثار الحضارات الغابرة منذ العصر الحجري

اعتبرت الأراضي الخاضعة لدولة السنغال الحالية تاريخيا جزءا من مملكة غانا الكبرى، وشكلت معها معبرا حيويا لقوافل التجارة التي كانت تربط بين شمال أفريقيا وعمقها الغربي. أما غالبية الشعب السنغالي (حوالي الثلثين)، فتنتمي إلى قومية الولوف، وهي مجموعة من القبائل المتميزة بنظامها الطبقي الصارم وثقافتها الفنية المميزة التي تعتبر القسم الأكبر من الثقافة السنغالية.[3]

فإلى جانب الآثار العلمية عن مظاهر الحياة التي شهدتها أرض السنغال في العصرين الحجريين القديم والحديث؛ فإنها تشهد كثيرا من الدلائل العلمية على وجود مقابر وبقايا حضارات إنسانية اختفت أو تعرضت للإبادة. وتتركز جل المعطيات التاريخية في الفترة التي تبدأ في القرن الثامن الميلادي، حين نشطت حركة التجارة مع مسلمي شمال أفريقيا.

ويجد المؤرخون مصادرهم الأساس في المؤلفات العربية، إذ تطرقت بتفصيل كبير لمملكة غانا التي كانت قائمة فوق قسم من أراضي السنغال الحالية، وامتدت حتى عمق أراضي دولة النيجر الحالية، باعتبارها كانت مصدر الذهب بالدرجة الأولى.

“بوابة أفريقيا”.. بلاد الغابات والصحراء والنهر والمحيط

تقع دولة السنغال في أقصى نقطة غرب أفريقية، ويخترقها إلى جانب الطرق البحرية عدد من المعابر الجوية والبرية الدولية المهمة، وهو ما يجعل البعض يطلق على السنغال لقب “بوابة أفريقيا”. وتتميز الجغرافيا السنغالية بتنوع كبير، حيث تلتقي فيها الغابات الاستوائية والصحراء الأفريقية الكبرى إلى جانب الساحل الأطلسي.[4]

وتتسم الأراضي السنغالية بانبساطها الكبير، لكونها جزءا من حوض السنغال الموريتاني، ولا توجد المرتفعات إلا في نقاط معينة أقصى جنوب البلاد، وفي منطقة شبه جزيرة الرأس الأخضر.

ويحد نهر السنغال من جهتي الشمال والشمال الشرقي الأراضي السنغالية، ويرسم الحدود السياسية الفاصلة بينها وبين موريتانيا. وتحيط بالسنغال من باقي الجهات أراضي دولة مالي ودولتا غينيا وغينيا-بيساو، بينما تخترق أراضي دولة غامبيا الأراضي السنغالية من المحيط الأطلسي على طول نهر غامبيا.[5]

قومية الولوف.. تقاليد إسلامية وشعبية تمثل ثلث الشعب

تعتبر العاصمة السنغالية دكار أكبر حواضر البلاد على الإطلاق، وتوجد في شبه جزيرة الرأس الأخضر المطلة على المحيط الأطلسي، وهي في الوقت نفسه العاصمة السياسية والاقتصادية للبلاد، كما تعتبر وجهة سياحية جذابة.

وتقدّر ساكنة السنغال بأكثر من 15 مليون نسمة، يتوزعون على قوميات مختلفة، أهمها من الناحية العددية قومية ولوف وقومية ليبوس وقومية البولس. وتتعايش هذه القوميات بشكل سلمي، ويتجلى ذلك في تزايد التفاعل الاجتماعي بينها في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الزواج المختلط بين أفرادها.  وتتميز هذه القوميات بحرصها الكبير على البقاء محافظة على عاداتها وتقاليدها وإصرارها على البقاء مستقرة في مناطقها الأصلية.[6]

YouTube
YouTube