ديسمبر 3, 2024

رساله الحريه والكرامه والعداله في زمن العبوديه

كربلاء في ضمير الشعر المسيحي

تغلغلت كربلاء إلى الضمير الإنساني عبر العصور وتخطّت حدود جغرافيتها، وطوت تضاريسها، فلم تعد خاضعة لبقعة معينة من الأرض بل أصبحت رمزاً في التضحية والعطاء عبر الأزمنة، والأمكنة، والأحداث، فأصبحت قبلة لعشاق البطولة والإباء بغض النظر عن دينهم وانتماءاتهم, ومثلما هز الصوت الحسيني البطل وهب المسيحي فلا يزال هذا الصوت متجدّداً يهزّ الضمائر الحرة من الشعراء والكتاب المسيحيين الذين وجدوا في وهب أسوة حسنة، فتجسد ذلك في شعرهم ونثرهم فكتبوا الملاحم والقصائد الطويلة وألفوا الكتب والموسوعات عن كربلاء.

ويطالعنا الأدب العربي بقائمة كبيرة من قاماته السامقة من الشعراء والأدباء المسيحيين الذين استلهموا من علي والحسين الروح الإنسانية الكبيرة فكتب الشاعر اللبناني بولس سلامة ملحمة (الغدير) التي تبلغ أكثر من ثلاثة آلاف بيت، كما كتب ملحمة (علي والحسين) التي تبلغ (220) بيتاً، وكتب عبد المسيح انطاكي (الملحمة العلوية) التي تبلغ (5595) بيتاً، وكتب ريمون قسيس ملحمة (الحسين) التي تبلغ أكثر من مائة بيت.

أما على صعيد التأليف فقد ألف عن الإمام علي والحسين الكثير من الأدباء المسيحيين منهم سعيد عقل وأمين نخلة ونصري سلهب وسليمان كتاني وخليل فرحات وجوزيف الهاشم وجورج جرداق وانطوان بارا وغيرهم، لقد وجدوا في كربلاء عنوان الحرية والمبادئ الحقة والنهج لشعوب تطمح إلى استقلالها يقول بولس سلامة:

سوفَ يبقى الدمُ الزاكــــي لواءً   ***   لشعوبٍ تحاولُ استقلالا

ويقول أدوار مرقص:

يا غرّة الشهــــــداءِ من عليائِها   ***   لوحي عليهم كـالضياءِ العاقدِ

موسومةً بدمِ الشهــــادةِ فهي لا   ***   تنفكّ تدمــــي مثل زندٍ فاصدِ

كيما يسيروا في الحيــاةِ بنهجِه   ***   لا يخضعونَ لغاصبٍ ومعاندِ

ويقول ريمون قسيس من ملحمته (الحسين):

جئت أروي مسيــرةً لحسينٍ   ***   أتمـــلاها نـورَ وحيٍ وقبسِ

وسراجاً مزهوهراً ووضيـئاً   ***   ولئن كـــانت الجسومُ لحسّ

وسماءٌ بكتْ فيحــــــيى بكته   ***   فحسينٌ بكتـه في قطعِ رأسِ

وفي هذا الموضوع اخترنا نماذج للشعر المسيحي لأربعة شعراء توهّج شعرهم في كربلاء:

1 ــ إدوار مرقص: (1296 ــ 1368هـ/1878 ــ 1948م)

إدوار نقولا مرقص شاعر وكاتب وصحفي سوري ولد في اللاذقية في سوريا ودخل المدارس فيها وعمل معلماً في بلدته وطرابلس ومصر, كما عمل محرراً في صحف ومجلات سوريا ومصر ولبنان وترجم أعمالاً أدبية إلى العربية أكثرها فرنسية، كان عضواً في المجمع العربي بدمشق ويعد من كبار كتاب المقالة الصحفية في الوطن العربي، له العديد من المؤلفات الأدبية وترجم العديد من الكتب الفرنسية إلى العربية له ديوان شعر ضمّ قصيدة استوحاها من القيم العليا التي حملها الإمام الحسين في كربلاء يقول منها:

ركبَ الحسينُ إلى الفخـارِ الخالدِ   ***   بيضِ الصفاحِ فكان أكـــرمَ رائدِ

حشدَ الطغاةُ عليه كـــــــل قواهمُ   ***   وحموا عليه ورودَ مـــــــاءٍ باردِ

وتخيّلوه يستجيــــــــــــــب إليهم   ***   أمّا أحسّ من الظــــــــــما بالرافدِ

تأبى البطـــــــولة أن يذلّ لبغيهم   ***   من لم يكن لســـــوى الإلهِ بساجدِ

أيهابُهم سبطُ النبــــــــــي وعنده   ***   جيشٌ من الإيمــــــانِ ليسَ بنافدِ ؟

حسبُ الفتى من قوةٍ إيمــــــــانه   ***   ولـ ((كربلاء)) عليه أصدقُ شاهدِ

2 ــ بولس سلامة: (1902 ـــــ 1979)

أديب وشاعر مسيحي ولد في جزين في لبنان درس الحقوق في الجامعة اليسوعية وعمل قاضيا سنة (1928)، له ملحمة (الغدير) التي تبلغ أكثر من ثلاثة آلاف بيت في سبعة وأربعين فصلا تناول فيها تاريخ الإسلام منذ بدء الدعوة المحمدية المباركة حتى يوم كربلاء وله غيرها الكثير من القصائد في مدح الإمامين علي والحسين يقول في أحد فصول ملحمته (الغدير):

أنزلوهُ بـ ((كربــلاءَ)) وشـادوا   ***   حــــــــــــوله من رماحِهم أسوارا

لا دفاعاً عن الحســـــينِ ولـكن   ***   أهلُ بيـتِ الرسولِ صاروا أسارى

قال: ما هذه البقـــاعُ فــــــقالوا:   ***   كربلاءَ فقـــــــــــالَ: ويـحَكِ دارا

هاهنا يشـــربُ الثرى من دمانا   ***   ويثيرُ الجمادَ دمــــــــــعُ العذارى

بالمصيــــر المحتوم أنبـــأني جـــــــــــــدّي وهيهـــــــــــات أدفعُ الأقدارا

إن خلت هذهِ البقـاعُ مــن الأزهـــــــــــــارِ تمسي قبــــــــــــــورُنا أزهارا

أو نجوماً على الصـعيـدِ تهاوت   ***   في الديــــــــــاجيرِ تطلعُ الأنوارا

تتلاقى الأكبـــادُ من كلِّ صوبٍ   ***   فوقها والعيونُ تـــــــــهمي ادِّكارا

من رآها بكى ومــــن لم يزرها   ***   حملَ الـريـــــــــــــــحَ قلبُه تذكارا

((كربلاء)) ستصبحـــينَ محجّاً   ***   وتصـيريـــــــــنَ كالهواءِ انتشـارا

وقد زخرت ملحمته ــ الغدير ــ بفصول كربلاء وأحداثها وهي تحتاج إلى دراسة منفردة فهو يصف كربلاء بالشمس التي لا تمحى مهما استفحل الضباب:

يا ضياءَ الغروبِ في ((كربلاء))   ***   دونكَ الشمس في الغروبِ ضياءُ

ويقول في نهاية الملحمة وهو يستحضر أحداث كربلاء المأساوية رغم ألمه ومرضه:

شاعرٌ مقعدٌ جريــــــــــــحٌ مهيضٌ   ***   كلُّ أيامِه غدتْ ((كربلاءا))

أما في ملحمته (علي والحسين) التي تبلغ (220) بيتاً فقد كانت روحه في كربلاء تقتبس من شعاع الشهيد:

((كربلا)) يا مغربُ الشمسِ غصّتْ   ***   بالشعاعِ الشهيدِ يومَ انطفائهِ

ويختتم ملحمته بـ ((كربلاء)):

شاعرٌ صدرُه جحيمٌ مقيمٌ   ***   وفؤادٌ يموتُ في ((كربلائه))

3 ــ جورج شكور: ولد 1935

جورج حنا شكور شاعر مسيحي ولد في قرية شيخان قضاء جبيل في لبنان حاصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي عمل في التدريس وعيّن رئيساً لدائرة اللغة العربية في كلية الشرق الأوسط في لبنان والأمين العام المساعد لاتحاد الأدباء والكتاب اللبنانيين نشر في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية كما شارك في العديد من الأماسي الشعرية له كتاب (البيان) وله ديوانا شعر هما (وحدها القمر) و(زهرة الجماليا) أسّس نادياً ثقافياً في قريته شيخان, ولشكور ملحمة اسمها (الحسين) تبلغ (80) بيتاً نترك بعض أبياتها تترجم ما تمثله له كربلاء من معنى:

يا ((كربلاء)) أأنت الكـرب مبـتلياً   ***   وأنت جرح على الأيـــــــــام نغّارُ

لالا وثيقة حق أنت شـــــــــــــاهدة   ***   أنْ في الخليقة أشرارٌ وأخـــــــيارُ

وجولة البطل إن طالـت لها أجـــلٌ   ***   والحق جولته في الــــــدهر أدهارُ

كل الزعامات إن شيـدَت على ظلمٍ   ***   كالبطلِ ولّت وصـرحُ الظلمِ ينهارُ

ووحدَها نسمـــــــــاتُ الروحِ باقيةٌ   ***  على الزمانِ كأن الـعمــــــرَ أعمارُ

يا ((كربلاء)) لديكِ الخسرُ منتصرٌ   ***   والنصـــــرُ منكسرٌ والعدلُ معيارُ

وفيكِ قبرٌ غدت تحلو محجَّـــــــــته   ***   يهفو إليه مـــــــــن الأقطارِ زوارُ

4 ــ ريمون قسيس

شاعر مسيحي ولد في زحلة بلبنان درس في الكلية الشرقية ومارس التدريس والعمل الإداري في دائرة التربية الوطنية في البقاع شارك في أمسيات ولقاءات ومهرجانات شعرية كما شارك في حلقات إذاعية وندوات ومؤتمرات عبر (حركة الحوار والثقافة في لبنان)، عضو مجلس قضاء زحلة الثقافي وعضو اتحاد كتاب لبنان وعضو مؤسس في حركة الحوار والثقافة في لبنان ونائب رئيس واحة الأدب في البقاع، يكتب الشعر باللغتين العربية والفرنسية صدرت له ثمانية دواوين شعرية هي (علي، الفارس، الفقيه، الحكيم) عام (1991) و(قصائد أولى باللغة الفرنسية) عام (1997) و(أوراق شاعر) عام (2004) و(منائر) عام (2005) و(الحسين) عام (2010)، وله عدة مخطوطات شعرية بالعربية والفرنسية، مُنح عدّة أوسمة من مراجع لبنانية، وتعد ملحمته (الحسين) التي تبلغ (115) بيتاً على وزن واحد وقافية واحدة إشراقة روح شاعر تفجرت فيها المشاعر معبّقة بدماء كربلاء..

يقول الدكتور ميشال كعدي في المقدمة التي قدمها للملحمة: (الحسين هو القتيل في سبيل الله، والإيمان والعقيدة والإسلام، وهو الشهيد الذي ترك من نثير طلعته الغراء على أرض البطولة ــ كربلاء ــ قدرة بحجم المستحيل)، ويقول أيضا: (ملحمة قسيس تشير إلى عزم ((كربلائي)) ما تضاءل إزاء قدرات مجتمعة وشدة كبيرة فبقي الحسين البطل القادر في معركة تفوق حجم المعارك كلها على أرض ((كربلاء)))، ولنستمع إلى قسيس وهو يفتتح ملحمته:

يا حسيـــنُ الفـداء تفديكَ نفسـي   ***   أنتَ نوري المضئ يضحي ويمسي

قد دعا موســى والمسيحُ تجـلّى   ***   وأتى أحمدٌ لـــــــــــــــــربٍ بخمسِ

وعليٌ ونهجُه متســـــــــــــــــامٍ   ***   متغاوٍ بمــــــــــــــــجدِ قولٍ وترسِ

((كربلاءٌ)) تطيّبتْ بدمـــــــاها   ***   فغدت موئـــــــــــــل البكا والتأسي

ثم يتحدّث عن كربلاء بعد أن صاغَ لها الحسين تاريخاً معبقاً بالشهادة:

نصرةً للأنـــامِ ذي ((كربلاء))   ***   من يزرها يكن دحـوراً لبخسِ

يا بني هـــــــــاشمَ وصفوةُ قومٍ   ***   من قريـشٍ حسينُكم هو مُرسي

جرأة في شجـــاعةٍ، جـودُ كفٍ   ***   لا يجـــــارى ونبعُ فهمٍ وندسِ

وحسينٌ كيوســــــــفٍ ليسَ إلا   ***   شهدتْ فضـــــله مواردُ خمسِ

ويختتم ريمون ملحمته بخلود الحسين وخلود كربلاء وخلود الشهادة:

وكراماتٌ للحسيـــــــــنِ تجلّتْ   ***   وتفشـــــت من ((كربلاء)) لنرسِ

كيف ترجو لأمــــةٍ نورَ شمسٍ   ***   وهي دومـــــــاً تعيشُ دجيةَ غلسِ

كيف تصحو علـى عبيقٍ بوردٍ   ***   وحوالي الروضِ اصفرارٌ بورسِ

صاح هذي كتبــــــتها بنجيعي   ***   عن شهيد لم يــــــروهِ فيضُ نِقسِ

محمد طاهر الصفار

YouTube
YouTube