نوفمبر 24, 2024

رساله الحريه والكرامه والعداله في زمن العبوديه

محاكمات الحيوانات

تشير السجلات التاريخية إلى أن محاكمات الحيوانات في أوروبا إبان العصور الوسطى وتحديداً بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر كانت حقيقة واقعة. فكانت الأحكام القضائية تُطلق على الحيوانات والحشرات المتهمة بأعمال إجرامية وتثبت إدانتها. فالجرذان مثلاً اعتبرها القضاء أعداءً للشعب ، وصدرت أحكام بشنق خنازير وتعليقها في الساحات العامة عبرة لبقية أبناء جنسها من الخنازير ، كما أعدمت ذئاب وحيوانات أخرى بعد تقديمها … للعدالة.

قد يكون من  الصعب أن نتصور أن مثل هذه المحاكمات حصلت ، حيث تعتبر الأنظمة القضائية الجنائية اليوم أن الحيوانات تفتقر إلى الإحساس الخلقي ، أو القدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية أو إدراكها ، وبالتالي لا يمكن معاقبتها على ما ارتكبته من “جرائم” ، لكن تلك المحاكمات حدثت بالفعل ، وصدرت فيها أحكاماً مختلفة خلال العصور الوسطى ، تحملت فيها تلك الحيوانات المسؤولية الإجرامية لأعمال ارتكبتها في حق الشعب.

في العصور الوسطى بفرنسا مثلاً ، كانت الاتهامات توجه رسمياً للجرذان على جرائم مثل أكل الشعير. وكان من شبه المستحيل جلب الفئران إلى المحكمة لتمثل أمام القضاء ، كما اتضح لسكان قرية أوتون عام 1522. فما كان من قاضي القرية إلا أن أمر بتعيين محامٍ للدفاع عن الجرذان وانتظار حضورها إلى قاعة المحكمة. وفي مرافعة الدفاع ، قال محامي الجرذان إن موكليه يقيمون في العديد من المدن المختلفة ، وعليه فإن إصدار طلب استدعاء واحد لا يُعتبر كافياً لإبلاغ جميع الجرذان المتهمة في القضية. فقررت المحكمة تأجيل القضية ومنح الجرذان المزيد من الوقت ، وفي الوقت ذاته وجهت نصائح إلى سكان القرية بمنع القطط التي يمتلكونها من مهاجمة والتهام الجرذان عند توجهها إلى قاعة المحكمة. وكما هو متوقع لم تحضر الجرذان إلى المحكمة ، وأُسقطت القضية في نهاية المطاف.

في قرية غلورنز بسويسرا وتحديداً عام 1519 كانت هناك قضية مماثلة حين طلب مزارع من المحكمة توجيه الاتهام إلى فئران الحقول على جريمة أكل محصوله من القمح. والغريب هنا أن المزارع حرص على أن يطلب من المحكمة تعيين محامٍ للفئران لتكون المحاكمة عادلة. وقد ادعى المزارع أنه لاحظ وعلى مدار 18 عاماً أن الفئران تسرح وتمرح وتأكل في حقول القمح التي يمتلكها دون رادع ، كما قدم شهادات تثبت صحة ادعائه من عامل في الحقل ومزارع آخر.  أما جهة الدفاع ، أي محامي الفئران ، فقد أكد بدوره على أن ما فعلته الفئران كان فيه فائدة للمزارع ، معتبراً أن عمل تلك الفئران ساهم في السيطرة على الحشرات الضارة. كما طالب بأن تكون هناك حقول آمنة لموكليه للعيش فيها ، وبتقديم العون لإناث الفئران الحامل عند إعادة نقلها إلى تلك الحقول. وعليه صدر حكم قضائي بمنح الفئران مدة أسبوعين للخروج من الحقول المتضررة التي يمتلكها المزارع ، وحظر عودتها إلى تلك الحقول بصفة نهائية. ولإظهار مدى رأفة المحكمة ، حرص قرار القاضي على منح إناث الفئران الحوامل وصغارها 14 يوماً إضافية لتغيير محل إقامتها.

من المعتقدات الغريبة التي تعود في تاريخها إلى سنة 1462 على الأقل ، كان الاعتقاد بأن القطط تتعمد خنق الأطفال الرضع.  وتشير السجلات إلى إصدار حكم على قطة اتهمت بارتكاب مثل تلك الجناية. وقد ثبت ادانتها وتم شنقها. ونضيف هنا أنه خلال ما عُرف بمحاكمات الساحرات المشعوذات في العصور الوسطى ، كانت القطط تُعتبر رفيقة أرواح الساحرات المتهمات بالشعوذة ، وغالباً ما كان يتم قتل تلك القطط مع صاحباتها !

بالانتقال إلى الدواب مثل الثيران والخيول والماعز ، فقد تمت محاكمتها كالبشر هي الأخرى ، لاسيما في القضايا التي تتعلّق بجريمة البهيمية ، أي ارتكاب الفاحشة مع تلك الحيوانات. في عام 1750 برزت قضية كانت بطلتها أتان (أنثى حمار) عندما ثبتت برائتها من جرم البهيمية بعد توقيع مجموعة من المواطنين ذوي الشأن والاحترام في المجتمع على وثيقة يشهدون فيها بمعرفتهم بالأتان ، وبعدم اقترافها أي أفعال فاضحة كتلك التي وجهها إليها القضاء. أما المعتدي جنسياً على الأتان فقد تمت إدانته وحُكم عليه بالموت.

في العصور القديمة كانت الماشية عادة ما يُخلى سبيلها لترعى بحرية في شوارع القرية والميادين العامة ، لتأكل مما تعثر عليه من زبالة أو أطعمة أخرى. وهو ما شكّل إمكانية وقوع بعض الحوادث بينها وبين البشر ، فكانت الخنازير مثلاً تهاجم الأطفال والعجزة وغيرهم من وقت لآخر. وتشير السجلات التاريخية إلى وجود محاكمات للخنازير في عدد من الدول الأوروبية ، وأن الخنازير كانت أكثر أجناس الحيوانات مثولاً أمام القضاء بسبب تهم تتعلّق بقتل البشر. والخنازير المتهمة بهذه الجرائم كانت توضع في السجن ، وتُعامل كأي مجرم بشري ، كما كانت تخضع للتعذيب أحياناً لانتزاع الاعترافات منها ، حيث اعتُبر صراخ تلك الحيوانات وعويلها اعترافاً مقبولاً به على ارتكابها الجريمة. أما طرق الإعدام فتعددت ما بين شنقها أو دفنها حيةً.

في عام 1457 وجه الاتهام إلى خنزيرة وصغارها الستة بقتل طفل في الخامسة من عمره ، وقد حكمت عليها المحكمة بالموت. وبالفعل تم شنق الخنزيرة بعد تعليقها من رجليها الخلفيتين ، أما صغارها فقد أُفرج عنها وذلك لحداثة سنها ، وأخذت المحكمة بعين الاعتبار مسؤولية الأم في إفساد صغارها … القاصرين!

ولعل أقدم إشارة سجلها التاريخ حول محاكمة الحيوانات جاء ذكرها في سفر الخروج 21 وتحديداً الآية رقم 28 التي تقول:

“وإذا نطح ثور رجلًا أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه وأما صاحب الثور فيكون بريئًا.”

هذا ومن غير المعروف عدد الثيران التي رُجمت بالفعل ، لكن المؤكد أن مثل هذه الإجراءات وجدت ما يدعمها بحسب النصوص التوراتية القديمة.

YouTube
YouTube