شهدت العراق في زمن الدولة العباسية استقرارا وازدهارا منقطع النظير، إذ توفرت لها كل ركائز الحضارة والمدنية وهي المال والعلم والإنسان، وقد كانت البصرة مركزا اقتصاديا مهما، فهي قلب العراق النابض، وتضج أسواقها بحلقات الشعر والأدب.
وامتدت أذرع البلاد في التجارة غربا وشرقا لا سيما الهند، حتى أطلق على البصرة آنذاك ثغر الهند. وقد أدى هذا الرخاء الاجتماعي والاقتصادي إلى ظهور حركة فكرية وحضارية نشطة في المدينة، كما أسهمت الوفود القادمة من بلاد عريقة كفارس والهند في نهضة البلاد وتطورها.
ولم يدُر في خلد هذه المدينة الصاخبة أو يخطر ببال ساكنيها، أنها ستستقبل يوما علامة فارقة في تاريخ اللغة العربية وواحدا من أشهر أئمتها، إنه الخليل بن أحمد الفراهيدي، المنتسب إلى بطن فرهود من قبيلة الأزد العُمانية.
ظاهرة التباديل والتوافيق.. قاعدة رياضية في خدمة العربية
لم تألف العقلية العربية في ذلك الوقت وجود كتاب المعجم، فقد كان هناك بعض كتب المعاني ككتاب الخيل للأصمعي، وكانت الكتب التي تجمع أسلحة الحرب وغيرها، وتسمى دواوين أو معاجم المعاني.
لكن الفراهيدي عمل نظاما للعربية جمع فيه كل مفرداتها بطريقة رياضية حاصرة، فقد تمتع بعقلية حسابية، وأنتج معجم العين معتمدا على ظاهرة التباديل والتوافيق ورد الكلمات إلى جذورها
اتخذ الخليل بن أحمد التقسيم الصوتي معيارا وأساسا، فبنى عليه ترتيب مادته اللغوية، وبذلك يكون قد مهد لعلم الصوتيات (الفونتكس)، ويعتبر معجم العين بداية حقيقة لهذا العلميعتبر الفراهيدي واضع علم العروض والقافية، إذ عرف بذائقته العالية للشعر وأذنه الموسيقية، وكان يستمع في بعض الأحيان لشعر لا يسير على الإيقاع العربي الذي تعود عليه، وهذا ما جعله يفكر بضبط الأوزان الشعرية لمعرفة الفاسد من الشعر.
درك الخليل القواعد الإيقاعية المنظمة للشعر العربي، فالعروض هو النوتة الموسيقية للشعر، أما البداية الحقيقية فترتبط بما كان يعرف عند العرب بفن الحُداء، إذ كان الحادي يترنم بإيقاعات أثناء سير القافلة في رحلتها ليقطع حاجز الملل والصمت أثناء المسير الطويل وليُسرّي على الجِمال المسافرة.
وكانت معظم النماذج الغنائية للحداء من بحر الهزج (على الأهزاج تسهيلُ .. مفاعيلن مفاعيلُ)،
أحدث الخليل طفرة لغوية بوضعه معجم العين، كما كان تحديده لعلمي القافية والعروض طفرة موسيقية للعلماء والنقاد والشعراء.لم تقتصر إبداعات الخليل على وضع معجم العين وتأسيس علمي العروض والقافية، وإنما كان له دور بارز أيضا في تطوير الكتابة العربية، وتأسيس علم النحو الذي تبلور على يد تلميذه سيبويه.رغم عقلية الفراهيدي الخلاقة وعبقريته المبتكرة والمجددة، فإنه كان زاهدا ورعا
نحن معكم على مدار الوقت
وداعاً ايها الشهم الشجاع.
مواقع عبرية : الطيران الصهيوني سيقوم بقصف عدد من مقرات المقاومة الاسلامية في العراق خلال الساعات القادمة
هل يجرؤ الاحتلال على اغتيال المرجع السيستاني؟