ديسمبر 5, 2024

رساله الحريه والكرامه والعداله في زمن العبوديه

لغز امرأة اختارت العيش منفردة على حافة الصحراء الجزائرية؟

ثمة لغز يقف وراء اختيار امرأة في الستينيات من العمر العيش منفردة على حدود الصحراء الكبرى في الجزائر، يفصلها عن أقرب بلدة نحو 70 كيلومترا.

لُغز لا ينشغل المخرج الجزائري الشاب، حسان فرحاني، كثيرا بحله في فيلمه “143 طريق الصحراء” الذي أنجزه عن حياة هذه المرأة التي تحمل اسم مليكة، بقدر انشغاله بتوثيق حياتها اليومية وسط هذه العزلة وثرثرة المسافرين العابرين المارين بها، وهي ثرثرة عامة تتناول شتى التفاصيل، من الهموم الشخصية اليومية حتى الشأن السياسي في الجزائر وتقدم صورة عامة للحياة في تلك المنطقة المنعزلة على حافة الصحراء الجزائرية.

وتشكل مليكة بسرعة بديهيتها وحضورها المميز بل وغموضها أحياناً، عماد كل هذه المشاهد في الفيلم. وقد منحت فيلم فرحاني تميزه، بعفويتها وتعاملها السلس مع الكاميرا، والذي قد لا يتوفر عليه حتى بعض الممثلين المحترفين، وقفشاتها الساخرة وذكائها الفطري في إدارة الأحاديث الشيقة مع ضيوفها العابرين قبل ذهابهم في الطريق الصحراوي الطويل.

تعيش مليكة في بيت بسيط مؤلف من حجرتين، وضعت في إحداهما طاولة عتيقة وبضع كراس بلاستيكية، يستريح عليها عابرو السبيل وسائقو الشاحنات لتبيعهم الشاي والماء والسجائر ووجبات طعام بسيطة تتألف من البيض في الغالب، قبل أن يواصلوا رحلاتهم في الصحراء على “الطريق الوطني رقم واحد”، وهو طريق صحراوي في معظمه، يقطع الجزائر من الشمال إلى الجنوب ويمتد على مسافة 2335 كم، كما يعد من أقدم الطرق في الجزائر إذ يرجع بدء انشائه إلى عام 1864.

وكان هدف فرحاني في البداية صنع فيلم طريق وثائقي عن هذا الطريق الرئيسي في الجزائر، معتمدا على تجربة صديقه الصحفي والروائي الجزائري شوقي عمّاري، الذي كتب كتابا تحت عنوان “الطريق الوطني رقم واحد”؛ بيد أنه غيّر خططه عند مشاهدته مليكة بعد أن قاده عماري إلى مقهاها في عمق هذا الطريق الصحراوي.

وقد كان كتاب عماري أيضا ملهما لفيلم وثائقي حمل الاسم نفسه للمخرج الفرنسي هنري (أونريه) جاك بورجا، الذي كان فيلم طريق خالصا، عمل على توثيق مشاهد من الحياة على أمتداد هذا الطريق الصحراوي الطويل. (يمكن مشاهدته على موقع فيمو على الإنترنت).

“مليكة الصحراء”

جعلت مليكة من مقهاها البسيط هذا بوابة للدخول إلى عالم الصحراء الكبرى التي تحتل معظم مساحة الجنوب الجزائري وتمتد إلى بلدان أفريقية أخرى. كما حرصت على بناء علاقة متحفظة مع أقرب مجتمع لها ويبعد عنها نحو 70 كيلومترا في بلدة “المنيعة” وسط الجزائر التي توصف بأنها بوابة الصحراء الكبرى، وتبعد نحو 870 كيلومترا عن العاصمة الجزائرية.

تحكي مليكة في الفيلم أنها كانت تمتلك علاقات طيبة مع الجميع، لكن المجتمع (الذكوري) لا يحتمل بقاء امرأة منفردة، فوصمها بأنها سيئة السمعة، لذا باتت مسافة البعد هذه بينها وبين المجتمع مسافة مفضلة من الطرفين.

تتجنب مليكة الحديث عن حياتها الشخصية قبل قدومها إلى هذا المكان، لكننا نعرف من جمل عابرة تتسرب من أحاديثها أنها قدمت إلى هذه المنطقة من الشمال الجزائري. وهي تعيش منفردة في هذا المكان منذ عام 1994. كما نتلمس من أحاديثها أنها تمتلك خبرة حياتية واضحة، وتتحدث الفرنسية وقادرة على التفاهم مع زبائنها بها.

YouTube
YouTube