كشف تحقيق لصحيفة “واشنطن بوست” أعدته لويز لافلاك ومصطفى سالم، أن حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، الذي تعهد بمحاربة الفساد، استخدمت التعذيب والابتزاز والعنف الجنسي والاعتقال في أماكن مجهولة، والغرض من كل هذا هو إجبار رجال أعمال على الاعتراف والتخلي عن أرصدتهم المالية.
وقضت الصحيفة تسعة أشهر في تحقيق مفصل للكشف عن مظاهر التعذيب والانتهاكات التي مارستها لجنة مكلفة بمحاربة الفساد. وغادر الكاظمي السلطة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. وقادت حكومته حملة واسعة لمكافحة الفساد في بلد يعتبر الأكثر فسادا في العالم، إلا أن حكومته حظيت بالدعم والتشجيع العالمي.
وفي مركز جهود مكافحة الفساد، كانت المداهمات الليلية في نهاية 2020، واستهدفت منازل رموز عامة اتُهموا بالفساد، وكانت تقوم بها الهيئة الدائمة لمكافحة الفساد والجرائم، أو كما عرفت بـ”لجنة 29″. وكان مهندس المداهمات هو الجنرال أحمد طه هاشم أو أبو رغيف، الذي أصبح يُعرف في العراق بـ”زائر الليل”. إلا أن ما حدث خلف الأبواب المغلقة كان أكثر ظلامية، أي العودة للأيام السيئة والأساليب التي تعهد الكاظمي بالتخلص منها.
وقالت الصحيفة إنها أجرت سلسلة من المقابلات مع خمسة رجال احتجزتهم الهيئة، وأفراد تسع عائلات سجنتهم الهيئة إلى جانب 11 مسؤولا عراقيا وغربيا على معرفة بعمل الهيئة. وما ظهر من التحقيق، عملية اتسمت بالانتهاكات والإهانة، والتركيز على أخذ اعترافات معدة مسبقا والتوقيع عليها، وليس المحاسبة ضد أعمال فساد. وتحدث الجميع بشرط عدم الكشف عن هويتهم. وتذكّر معتقل سابق قائلا: “كانت هناك كل أنواع التعذيب: كهرباء، خنقوني بأكياس بلاستيك وشبحوني من السقف وجردوني عاريا ولمسوا أعضاءنا التناسلية”. وفي واحدة من الحالات، تُوفي المسؤول البارز قاسم حمود منصور في المستشفى بعد اعتقال الهيئة له. وأظهرت صور قدمتها عائلته للصحيفة، أن بعض أسنانه اقتُلعت إضافة لآثار كدمات واضحة على جبهته.
وباتت الاتهامات سرا مفتوحا بين الدبلوماسيين في بغداد العام الماضي، لكن القليل عمل لمتابعة المزاعم، وقلل مكتب رئيس الوزراء من أهميتها، وذلك بحسب مسؤولين على معرفة بالأمر. ورغم كشف البرلمان عن تلك المزاعم في 2021، ونشر بعض تفاصيلها في الصحافة العراقية بشكل منتظم، إلا أن تحقيق الصحيفة الأمريكية يقدم الصورة الأكثر شمولية للانتهاكات والتعذيب الذي جرى في عهد الكاظمي، تحت عنوان مكافحة الفساد.
وتضيف الصحيفة أن العراق خسر منذ عام 2003، أكثر من 300 مليار دولار بسبب الفساد، وهو تقدير للجنة المالية في البرلمان العراقي. فبعد الغزو، أوجد الاحتلال الأمريكي نظام التوافق والمحاصصة الطائفية، وقامت فيه الأطراف الحاكمة بإثراء نفسها من ثروات الدولة ونظام الرعاية. ومنذ ذلك الوقت، أعلن معظم رؤساء الوزراء العراقيين عن خطط لمكافحة الفساد، إلا أنها كانت عبارة عن عمليات لتشويه سمعة أسلافهم أكثر من كونها محاولات لحل المشكلة من جذورها.
وتضيف الصحيفة أن المسؤولين الذي استهدفتهم “لجنة 29” كانوا أهدافا سهلة بدون حلفاء سياسيين للدفاع عنهم عندما كان رجالها يدقون على الباب. ومعظم الذين اعتُقلوا لاحقتهم تهم الفساد منذ سنوات، لكن لا تعرف شرعية الاعتقالات بسبب سرية عمل اللجنة. ويبدو أن بعضها مدفوع بدوافع سياسية، أي استهداف أشخاص لهم علاقات بفصائل سياسية تهدد حظوظ أحد داعمي الكاظمي الرئيسيين وهو مقتدى الصدر. وقال مسؤول بارز عمل في حكومة الكاظمي: “هناك عنصر من الابتراز السياسي لعب دورا.. كانت هناك حالات عبارة عن هزات، حيث تقوم بمهاجمة قاعدة شخص التجارية، وتحديدا مؤسسة حكومية، ليس لمكافحة الفساد وفضحه، بل أيضا لخلق مساحة يدخل منها رجالك”. وتقول الصحيفة إن الكاظمي وصل إلى السلطة في أيار/ مايو 2020، في وقت وصل فيه التوتر بين الولايات المتحدة وإيران ذروته.
وحصل الصحافي ومدير المخابرات السابق على دعم سريع من واشنطن والمجتمع الدولي بشكل عام، باعتباره الرجل الذي وعد بالحد من نشاطات الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق.
وقال مسؤول غربي بارز: “أعتقد أننا تسامحنا معه كثيرا وقلنا: حسنا هذا ما يجب علينا فعله، فهو رجل بنيّة حسنة ولديه السمعة الجيدة، ويقول الأشياء الصحيحة عندما تلتقي معه”. وغادرت معظم دائرة رئيس الوزراء السابق المغلقة بغداد، وذلك بعد توجيه تهم لمدير طاقمه، ولا يُعرف مكان الكاظمي الحالي. ودافع مستشار سابق لرئيس الوزراء عنه، وتحدث بالإنابة عنه بأنه “ينفي نفيا مطلقا” اتهامات بالانتهاكات. وقال بدون ذكر اسمه: “التزمت الحكومة السابقة بأعلى المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان. وتشويه السجلات الحقيقية سيعطي الحصانة لأكبر المجرمين العنيفين في العراق”. ورفض أبو رغيف التعليق على القصة.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إن التغييب القسري والتعذيب أمران معروفان في السجون الأمنية العراقية، وتعهد الكاظمي بالتحقيق فيها عندما ظهرت. إلا أن عائلات الذين اعتقلوا تحدثت عن عدم قدرتهم على معرفة مكانهم لعدة أسابيع، حيث حدثت معظم حوادث التعذيب. وقال معتقلون سابقون إنهم عانوا الويلات في زنازين صغيرة بمطار بغداد الدولي، حيث كانت تديرها وحدات مدربة أمريكيا وهي خدمة مكافحة الإرهاب، وكانت الزنازين مخصصة في العادة للتحقيق واعتقال المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب.
وقال مسؤولان في الوحدة، إن قادتها لم يرضوا عن استخدام المعتقل لقضايا تتعلق بالفساد. ولم تكن لهم الصلاحية للتدخل، نظرا لأنهم تابعون لمكتب رئيس الوزراء. وتعلق الصحيفة أن مراسلا لها شاهد في كانون الثاني/ يناير 2020، قوات أمريكية في مطار بغداد، مما يعني أنهم كانوا على معرفة بما يجري في السجن. وقال مسؤول إن الأمريكيين أثاروا الأمر. وسواء كانوا على علم أو عبّروا عن قلقهم من الأمر، إلا أن المتحدث باسم القيادة المركزية العقيد جو بوكينو، ليس لديه ما يقوله.
وقال معتقلون سابقون إن تعذيبا جرى في موقع تحت الأرض بالمنطقة الخضراء. وتحدث معتقل: “بدأوا بتعذيبي لمدة 13 يوما وطلبوا مني الكشف عمن أعطيته الرشاوى وكيف وكم من المال أملك”، و”طلبوا 1.5 مليون دولار مني، وقلت لهم لا أستطيع لأن المال مرتبط بمشاريع، ولهذا بدأوا الصعقات الكهربائية على العضو التناسلي وضربوه بأنابيب حديدية وعلقوني بالجدار”.
وتعلق الصحيفة أن روايات المعتقلين تم التثبت منها عبر تقارير طبية وصور أُخذت أثناء الاعتقال وتظهر انتهاكات متناسقة. وتضيف الصحيفة أن الروايات متناسقة وتظهر استخداما للصعق الكهربائي والضرب وتعصيب الوجه والإيهام بالغرق والتجريد من الملابس. وأخبر رجلان عائلتيهما وممثليهما القانونيين، أنهما تعرضا للانتهاك الجنسي. وقال مسؤول عراقي لأحد أقربائه، إن أحد الذين كانوا معه في الزنزانة أجبر للجلوس على قطعة سيارة وهو ما يشكل اغتصابا بناء على القانون العراقي. ووصف معتقل عودة شخص من التحقيق بأنه كان يحبو مثل الطفل ورجلاه متورمتان وأصابعه مكسرة.
واعتبرت لجنة برلمانية قصص التعذيب موثوقة في المطار بتقرير نشرته عام 2021، ورُفض طلبها لمقابلة المعتقلين بالمطار وحدهم. وفي حالة المسؤول منصور الذي مات في آب/أغسطس 2021 بعد اعتقاله بثلاثة أسابيع، ولم تعرف عائلته ما جرى له في المعتقل. وقال ابنه علي الزرجاوي: “لم نحصل على معلومات إلا حين جاؤوا للبيت لكي يخبرونا بأن والدي في المستشفى، وعندما وصلنا إلى هناك كان قد توفي”.
وكان الرجل الذي قاد عملية مكافحة الفساد هو أبو رغيف، وهو شخصية معروفة في وزارة الداخلية ومحاور معروف مع الحكومات الغربية والولايات المتحدة طوال فترة الكاظمي في الحكم. وانتشرت سمعته بكونه رجلا مجربا في مكافحة الجريمة، وسط شائعات عن نجاته من 13 محاولة اغتيال.
وتظهر الأرقام الرسمية، أن “لجنة 29” فتحت 156 حالة قبل أن تُعتبر غير دستورية وتحلها المحكمة الفدرالية العليا في آذار/ مارس العام الحالي. وأدين 19 شخصا، سبعة منهم مسؤولون سابقون، لكن لا يعرف إن كانت الأحكام مرتبطة بالفساد. ومن بين 12 حالة تابعتها الصحيفة، تسعة لا يزالون في السجن وأفرج عن 3. ولم تكشف اللجنة عن حجم الأموال المستعادة، وقال معتقلون سابقون إنه طلب منهم في بداية التحقيق التوقيع على اعترافات والتخلي عن أرصدة وأموال بالملايين للإفراج عنهم.
وتقول الصحيفة، إن المسؤولين العراقيين استخدموا وعود الإصلاح ومكافحة الفساد لإقناع أمريكا، اللاعب المهم في السياسة العراقية منذ 2003، ولكنها كانت جاهلة في أحيان وغير مبالية. وأثارت عائلات المعتقلين اتهامات الانتهاكات طوال عام 2021 مع بعثة الأمم المتحدة والسفارات الغربية. وفي حوار خاص مع ممثلي الأمم المتحدة ودبلوماسيين غربيين، نفى الكاظمي المزاعم، وقال إنه مستعد للتحرك إن كانت هناك أدلة على تجاوزات.
واحتج السفير الكندي في بغداد أورليك شانون على معاملة عبد الحسين، الذي يحمل الجنسية الكندية، وطلب الكاظمي من دبلوماسي آخر إخبار الكنديين بالتغطية على الأمر. وعندما هاجم علي البياني، المدافع عن حقوق الإنسان، تلك الانتهاكات علانية عبر التلفزيون، قدمت أمانة مجلس الوزراء دعوى ضده بالتشهير، وهو ما دفعه لمغادرة العراق. وفي الأشهر الأخيرة من حكم الكاظمي، أعلنت المؤسسة القضائية عن سرقة القرن، واختلاس 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة.
وقال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي خلف الكاظمي، إن مكافحة الفسادة هي الأولوية رقم واحد بالنسبة له.
نحن معكم على مدار الوقت
هل يجرؤ الاحتلال على اغتيال المرجع السيستاني؟
القوات الامنية السعودية تعتقل المحلل العراقي عماد محسن المسافر في المدينة المنورة
اسرار احداث تشرين د. عادل عبد المهدي يكشف اسرارا تخص فترة توليه السلطة بالعراق